ارتفعت أسعار السلع الاستهلاكية في الولايات المتحدة الشهر الماضي إلى أعلى مستوياتها منذ 40 عاما، في حين لا يزال أكبر اقتصاد في العالم يرزح تحت وطأة تضخّم متسارع تفاقمه تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا.
وارتفع مؤشر أسعار السلع الاستهلاكية بنسبة 7.9%، في فبراير مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، في أكبر زيادة له منذ يناير 1982، مع ارتفاع أسعار البنزين والمواد الغذائية والإسكان، وفق ما أعلنت وزارة العمل الخميس.
ومن المتوقّع أن يرفع الاحتياطي الفدرالي (المصرف المركزي الأميركي) الأسبوع المقبل معدّلات الفائدة للمرة الأولى منذ بدء الجائحة، في إطار سعيه لاحتواء ارتفاع الأسعار الذي يؤثر على التعافي الاقتصادي من تبعات كوفيد-19. لكن محلّلين يحذّرون من صدمة جديدة آتية من جراء العقوبات المفروضة على روسيا التي تعد منتجا كبيرا للنفط والغاز.
وقالت الخبيرة في مركز “أوكسفورد إيكونوميكس” كاثي بوستيانشيتش إن “الحرب بين روسيا وأوكرانيا تصب مزيدا من الزيت على معدّل التضخّم الناري من خلال ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية والسلع الأساسية”، مشيرة إلى أن ارتفاع الأسعار “يتسارع بشكل كبير من جراء تفاقم مشاكل سلاسل الإمداد”.
وبات ارتفاع معدّل التضخّم يؤثر على التأييد للرئيس جو بايدن الذي تراجعت شعبيته مع ارتفاع الأسعار الذي تواصل طوال العام 2021.
وبعد صدور تقرير وزارة العمل الخميس، حذّر الرئيس الأميركي في بيان من تداعيات “رفع بوتين للأسعار”، وأقر بأن هذا الأمر سيكون مكلفا للأميركيين.
لكنّه قال إن “الأميركيين يجب أن يدركوا أن الأثمان التي نجعل بوتين ورفاقه يدفعونها أكثر إيلاما بأشواط من تلك التي ندفعها”.
وحذّرت الخبيرة في مركز “هاي فريكونسي إيكونوميكس” روبيلا فاروقي من أن إقدام الاحتياطي الفدرالي على رفع معدّلات الفائدة بالتزامن مع ارتفاع الأسعار قد يؤدي إلى خفض الاستهلاك.
ورجّحت في مقالة تحليلية أن تؤدي تداعيات الحرب في أوكرانيا إذا طال أمدها “إلى مزيد من الارتفاع في الأسعار”.
واعتبرت أن “ارتفاع الأسعار قد يؤدي إلى خفض الإنفاق الأسري في حين يتهيّأ الاحتياطي الفدرالي إلى التصدي لتراجع الطلب”.
يأتي ارتفاع الأسعار من جراء المشاكل التي تواجه سلاسل الإمداد والنقص في المكونات واليد العاملة والطلب الكبير للمستهلكين الأميركيين، بعد تعافي الاقتصاد الأميركي من الأزمة التي نجمت عن كوفيد-19 ومساهمة الإنفاق الحكومي في زيادة مداخيلهم.
وفي مقارنة مع شهر يناير، ارتفع مؤشر أسعار السلع الاستهلاكية في فبراير بنسبة 0.8%، علما بأن هذا المعدّل كان ضمن الهامش المتوقّع، وبأنه أعلى بنسبة 0.2%، مقارنة مع الشهر السابق.
وشكّل ارتفاع نسبته 6.6 %، في أسعار البنزين ثلث الزيادة الشهرية التي سجّلها مؤشر أسعار السلع الاستهلاكية، فيما سجّلت أسعار المواد الغذائية والبقالة ارتفاعا نسبته 1.4%، وهو الأعلى للفئتين منذ أبريل 2020.
كذلك ارتفعت كلفة الإسكان على غرار الإيجارات بنسبة 0.5%، مقارنة بيناير، علما بأنها ارتفعت بنسبة 4.7%، على أساس سنوي، وفق التقرير.
وقال الخبير في مركز “بانثيون ماكروإيكونوميكس” إيان شيفردسون إن “تواصل التسارع في ارتفاع الإيجارات سيشكل مشكلة حقيقية، لكن نموذجنا المتوسط الأمد، مدفوعا بأسعار المنازل والأجور وعوامل أخرى يشير إلى أنه ليس مرجّحا”.
وباستبعاد الأسعار المتقلّبة للمواد الغذائية والطاقة، يكون مؤشر أسعار السلع الاستهلاكية قد سجّل في فبراير ارتفاعا شهريا قدره 0.5%، أي أقل بشكل طفيف مقارنة بيناير، وارتفاعا سنويا قدره 6.4%، مقارنة بالعام السابق.
يعد الاحتياطي الفدرالي العنصر الأكثر فاعلية في التصدي للتضخم، وقد أعلن مسؤولوه بكل وضوح أنهم سيرفعون الأسبوع المقبل معدّلات الفائدة التي تقارب الصفر حاليا، في خطوة ستضع حدا لسياسة التيسير النقدي التي اعتمدت مع بدء الجائحة والتي يحمّلها مراقبون المسؤولية عن ارتفاع الأسعار.
وتوقّعت بوستيانشيتش أن يعمد الاحتياطي الفدرالي إلى رفع معدّلات الفائدة مرارا هذا العام، لكنّها حذّرت من أن “ازدياد الضبابية والصدمة التي تواجهها حاليا الأسواق المالية من جراء الحرب في أوكرانيا” ستدفع المركزي إلى التأني.
كذلك توقّعت أن يؤدي ارتفاع أسعار النفط والغاز من جراء العقوبات المفروضة على روسيا التي تعد منتجا أساسيا “في المدى القريب إلى ذروة التضخم وإلى تراجعه بوتيرة أبطأ مما كان يرتأى خلال العام 2022”.