الأكثر لفتا للانتباه بخطاب الزعيم الروسي فلاديمير بوتين، في “عيد النصر” بموسكو أمس الاثنين، أنه تجاهل ما لا يمكن تجاهله، بعدم حديثه عن أي نصر من أي نوع في أوكرانيا، ولا قدم تقييما لكيف اندلعت الحرب. كما لم يعلن أي تعبئة عامة في روسيا كما توقع كثيرون، ولم يقل إن “العملية الخاصة” تحولت إلى حرب، بل لم يذكر أوكرانيا بالاسم على الإطلاق، وفقا لما استنتجته وسائل إعلام غربية، أدخلت خطابه اإى المشرحة، وحللت بأن الرئيس البالغ 69 سنة، يتوقع مزيدا من الخسائر في حرب ستستمر طويلا.
الصحافي البريطاني Michael Binyon الحاصل على “رتبة الامبراطورية البريطانية” ومراسل صحيفة “التايمز” ومحللها من موسكو وبرلين وواشنطن وبعض دول الشرق الأوسط، بحسب ما تختصر “العربية.نت” سيرته المهنية، هو أبرز من حللوا الخطاب البوتيني، بشرحه اليوم في الصحيفة أن فيه تركيز كبير على تاريخ روسيا وثقافتها وعاداتها وقيمها التقليدية “وبدا أيضا أنه يستحضر عقيدتها الأرثوذكسية، بعد أن حصل بالفعل على مباركة البطريرك الأرثوذكسي الروسي” كما قال.
وذكر الصحافي أن بوتين “حاول ربط الحرب في أوكرانيا بكفاح روسيا من أجل حريتها وروحها في العصور السابقة والدفاع عن الوطن الأم” وهي رسالة قوية الآن كما كانت في الحرب العالمية الثانية، لذلك شبهها بعدوان ألمانيا النازية على روسيا، واستشهد بالوطنية والبطولة والتضحية التي قدمها الروس خلال الحرب العالمية لحشد مواطنيه “لما بدا أنه مسافة طويلة في دونباس” الأوكرانية.
ولم يقدم بوتين في خطابه أي تحديث لخسائر روسيا، والتي سبق وأعلنت رسميا أنها 1000 قتيل تقريبا، فيما تقدر الاستخبارات الغربية أنهأ تزيد عن 15000 على الأقل، وبدلا من ذلك تحدث عن “حزنه المشترك” لمقتل كل جندي وضابط “في محاولة واضحة لتهدئة القلق العام المتزايد، ووعد بأن الدولة ستوفر مخصصات لعائلاتهم، وهي إشارة واضحة إلى أنه يتوقع المزيد من الخسائر في حرب يرى أنها ستستمر لفترة طويلة”.
وقال الصحافي “بينيون” أيضا، إن الخطاب كله “كان موجها إلى جمهور محلي لتبرير عملية جعلت روسيا معزولة عن العالم، وتركت ملايين من شعبها في حيرة منها ومن أنفسهم. كما لم يقدم إلا تلميحا ضئيلا عن أهدافها، وكيف يمكن للكرملين أن يعوّض عن استراتيجية متعثرة وإخفاقات عسكرية مذلة، أو كيف ستستبدل روسيا الكثير من المعدات التي خسرتها بعملية لم تكن لتحذير الغرب مما قد تفعله الآن، حيث لم يذكر ماريوبول بكلمة أو أي ساحة قتال في أوكرانيا، باستثناء دونباس التي يزعم أنها أرض روسية تاريخية”.
واعتبر بينيون أن الخطاب كان دفاعيا، يشير إلى عدم وجود تفكير جديد وجاد في الكرملين، وأن إعداد الخطاب تم إلى حد كبير لتبرير تحدي بوتين السابق للناتو، فهو لا ينذر بأي تصعيد في المستقبل. لكن حقيقة عدم ذكر التعبئة لا تعني أنه لم يتم التخطيط لها أو لن يتم تنفيذها في وقت قريب، في ما لو أصبح نقص القوات حادا.