زيادة الوزن في المجتمعات باتت ظاهرة تؤشر إلى وجود خلل عام عميق، أي أن السمنة لم تعد مشكلة فردية، يعاني منها فردٌ ما بسبب سوء تغذيته أو كسله أو عدم وجود إرادة لديه على التغيير نحو حياة أكثر جودة. الأفراد تختلف أسبابهم المؤيدة إلى البدانة، وهي أسباب تتقاطع في محددات معينة، وتفترق في أخرى؛ إلا أن تشابكاتها الأوسع تشير إلى أن الخلل الرئيس الذي يجعل نسبة الأفراد البدينين تزداد ليس في السعودية وحدها، بل في العالم أجمع، هي تلك الثقافة الغذائية المغلوطة، والدعاية المضللة التي تروج لها شركات الأغذية وما يمكن أن يطلق عليه «مافيا الغذاء»، التي تصرف مئات ملايين الدولارات سنوياً من أجل الترويج لمنتجاتها، والإيحاء بأنها صحية، وتحتوي الفيتامينات والمعادن التي يحتاجها الجسم، إلا أن نظرة فاحصة لمكونات الغالبية الساحقة من هذه الأطعمة المصنعة، تنبئ بأنها خالية من المغذيات، وأنها لا يمكن تسميتها بـ»الغذاء» أصلاً، فهي مزيج من مواد مصنعة معملياً، ومنكهات، وأصباغ، وأغذية مكررة، وبعض النباتات المحسنة وراثياً؛ باختصار: هي وصفات سريعة للإصابة بالإلتهابات والسكري وتصلب الشرايين وارتفاع ضغط الدم، ومقدمة لإضعاف مناعة الجسم وجعل احتمالية إصابته بالسرطان مرتفعة!
مشكلة شركات التغذية، أن غالبيتها يهمها الربح السريع، وتراكم الأموال وحسب، بعيداً عن الجودة، أو مراعاة الأخلاقيات المهنية التي يفترض تجعلها تحترم الصحة العامة للبشر.
أبعد من ذلك، شركات الغذاء، بعضها يمول أبحاثاً تصب لصالح منتجاته، تجعل الملوم هو الإنسان وقلة حركته، وتجعل السكر والكربوهيدرات المكررة والمواد الكيميائية الضارة وكأنها بريئة من كل ذنب!
الأطباء غير ذوي الخبرة، أو الإنسان العادي عندما يقرأ هذه الدراسات الموجهة سلفاً، يعتقد أنها علمية، لعدم معرفته بخلفيتها، وكيف أنها بنيت بطريقة تجعلها تبدو محايدة، وهو «الحياد الكاذب».
هنالك أطباء وخبراء تغذية يحابون هذه الشركات أيضاً، التي تمول بعض مشروعاتهم، أو تدعوهم لمؤتمراتها في الفنادق الفاخرة ووسائل السفر المرفهة، وبالتالي يصبح هؤلاء الأطباء مجرد مسوقين لدى هذه الشركات يرجون رضاها عنهم. كما أن بعضهم يعملون بدوام جزئي في هذه الشركات كمستشارين أو أعضاء في بعض اللجان، وبالتالي لن تكون هنالك مواقف ناقدة منهم لتلك الشركات التي تمنحهم رواتب شهرية أو سنوية مجزية.
إذن، الخلل أكبر من كون الإنسان البدين قليل إرادة، أو مصاب بالشره! المشكلة في منظومة ثقافية واقتصادية وصحية بنيت بطريقة خاطئة، وأسست لجلب المال بأي وسيلة، حتى لو أدى ذلك لارتفاع نسبة إصابة الأطفال دون العاشرة من العمر بأمراض السكري وزيادة الوزن.
ما لم تكن هنالك قوانين صارمة من الدول تجاه المشروبات الغازية، والزيوت المهدرجة، والأطعمة المصنعة، والأغذية المعدلة وراثياً، والسكريات المكررة، والحلويات الممتلئة بالأصباغ التي تقدم إلى الأطفال، فإن الحكومات سيزداد إنفاقها على قطاع الصحة، لا في بناء مراكز الأبحاث الطبية المستقبلية، أو جلب أجهزة علاج متقدمة للأمراض المستعصية، أو برامج تدريب وتطوير للكادر الطبي، بل ستزداد فاتورة الإنفاق الاستشفائي على المواطنين والمقيمين الذين يعانون من الأمراض المزمنة، التي كان من الممكن تلافيها باكراً مثل: السكري، الضغط، تصلب الشرايين، الزهايمر، ضعف الجهاز العصبي، السمنة.. أي مزيداً من الهدر، لأن هذا الإنفاق سيكون كرميَّ المال في دائرة مفرغة، تبتلعه، طالما لم يتم حل المشكلة الأساسية: سوء الثقافة الغذائية التي يتم الترويج لها، والتي -للأسف- تأثرت بها حتى مراكز صحية تقدم نصائح للمتابعين، تعتقد أنها بذلك تسدي خدمات لهم، فيما هي واقعة في التضليل المعلوماتي دون أن تعي.. وللحديث بقية.
نقلاً عن “الرياض“