رحلت الفنانة الجزائرية، شافية بوذراع، عن عالمنا عن عمر ناهز 92 عاماً وفي رصيدها حب جماهير لا ينضب، حصدته من أدوارها السينمائية والتاريخية والإنسانية.
فقد جسدت الراحلة دور المرأة المقاومة التي حاربت الاستعمار في بلادها بأدوار فنية تحكي الواقع المرير الذي عاشته الجزائر إبان تلك الحقبة الصعبة.
ومن أبرز أعمالها “الحريق”، الذي تقمّصت فيه دور “لالا عيني” وهو اسم قفز بها إلى عالم الشهرة والأضواء، وهو مسلسل تلفزيوني جزائري، تم تصويره في عام 1974 بقيادة المخرج مصطفى بديع، وقام بتلحين موسيقاه الأمين بشيشي، وهو مقتبس من روايتي محمد ديب، دار السبيطار والحريق.
وتطرّق المسلسل إلى مراحل الاحتلال الفرنسي للجزائر قبل الحرب العالمية الثانية، فيما جسدت الراحلة، صورة المرأة الجزائرية في كفاحها ونضالها ضد الجهل والفقر، وتعذيب الاستعمار الفرنسي.
ولم تكن طريق بوذراع نحو النجومية، مفروشة بالورود كما يعتقد كثيرون، بل عاشت حياة صعبة عقب وفاة زوجها الذي قتل في المعارك ضد الاحتلال الفرنسي.
كذلك لُقبت شافية بوذراع بـ “سيدة الفن”، لارتباطها بوجدان ذاكرة الجزائريين، وهي التي دخلت بيوتهم بأدوار مختلفة، ما جعلهم ينعونها بكل حزن ويودعونها بعبارات مفعمة بالمشاعر.
إلى ذلك، نعا الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الراحلة في برقية عزاء لأسرتها: “نودع كوكبا أفل في سماء الفن الجزائري.. صدحت المرحومة رفقة ثلة من فناني الرعيل الأول للجزائر المستقلة عبر ركح المسارح، وافتتحت بواكير الإنتاج التلفزيوني والسينمائي، وكانت مثالا ومدرسة لأجيال من الفنانين، ومنبعا للاحترام من جمهور المتذوقين على مر سنوات طوال”.
وفي تعليقات اجتاحت منصات التواصل الاجتماعي قال أحدهم: “رحلت ملكة الحضور وسيدة الإبداع والشاشة الجزائرية”.
كما أضاف آخر: “لن نقول وداعاً لأنك ستظلين قلعة فنية حصينة شامخة مستقرة في الذاكرة الجماهيرية”. بينما دوّن الصحافي الجزائري قادة بن عمار “لا نُودع ممثلة جزائرية فحسب وإنما نودع سيّدة محترمة، وأماً طيبة لا تتكرر على الشاشة إلا نادراً”.
في مسيرتها الفنية، مزجت بوذراع وهي من مواليد 22 أفريل/ نيسان 1930 بمدينة قسنطينة، شرق الجزائر، بين السينما والتلفزيون والمسرح، حيث قدمت فيلما إذاعيا بعنوان “الهزي” للمخرج عبد القادر بورتيمة.
وانتقل إبداعها من أمواج الراديو، ليصعد إلى الركح وخشبة المسرح، على يد مصطفى كاتب الذي منحها أدوارًا في العديد من الأعمال على غرار “دائرة الطباشير القوقازي”، و”المرأة المتمردة”.
كما كان اسمها حاضرا في عدة أفلام مثل “شرف عائلتي” لرشيد بوشارب و”صرخة الرجال” لعكاشة تويتة و”المغترب” و”الأبيض والأحمر” لمحمد زموري، وكذلك “كحلة وبيضاء” للمخرج عبد الرحمن بوقرموح، وهي كلها أعمال حققت شعبية كبيرة.
وترجلت “لالا عيني” على البساط الأحمر في مهرجان “كان” بفرنسا، مرتدية زياً تقليدياً عاصمياً، للمشاركة بفيلم “الخارجون عن القانون” الذي أثار ضجة إعلامية كبيرة آنذاك، وكان مرشحاً لنيل جائزة الأوسكار، وذلك عام 2010، كما نال الجائزة الأولى لأحسن فيلم في مهرجان دمشق الدولي.
يذكر أن بوذراع كانت عانت من المرض خلال السنوات الأخيرة، إذ خضعت في عام 2018، لعملية جراحية بعد سقوطها خلال تكريمها بسلطنة عمان، أصيبت حينها بكسر على مستوى الفخذ.
إلا أن حضورها الطاغي لم يغب، بل اكتفت بإطلالات بسيطة على الجزائريين بين الحين والآخر، ممن يعتبرونها فردا من العائلة.