لعل أكثر شيء جدير بالإشارة فيما يخص المنظومة الاجتماعية السعودية هو الارتقاء الفكري الخاص بالتعايش الخلّاق واحترام الآخر، فثمة فكر متقدم، وهناك أنظمة حقوقية قائمة، فما كان يحدث سابقاً من نعرات عصبية وإسقاطات قبلية طائفية باتت لا تذكر الآن.
نعم فقد بلغ مجتمعنا شأناً فكرياً يواكب التسارع المدني، فقد أدركنا تماماً أن كل ما يصب في القبيلة والمناطقية يتنافى جداً مع ما يحتاج إليه ارتقاؤنا، بل يتصادم معه، لأن التطورات العلمية والسكانية والاجتماعية والعلاقات بين الأفراد أنفسهم وحتى المجتمعات محلياً وعالمياً باتت تفرض مراجعة المواقف والاختيارات حتى تلك التي كنا ننظر إليها إلى ما قبل عقود قليلة على أنها أساسية ومهمة للحياة الاجتماعية باتت تحتاج إلى تغيير أو تطوير.
ووسط هذا التسارع الذي نعيشه أدركنا أننا نعيش زمن الحب وتمني الخير.. والعلاقات الحميدة المفيدة مع الآخرين.. فقد سئمنا كل ما يفضي إلى إهدار للطاقات والأموال، سئمنا كل انتصار فارغ يصب في مصلحة فئة معينة على حساب أخرى.. فلا مصلحة الآن فوق مصلحة الوطن.. ودائماً الهدف الجميع حقوقا وقانونا.
بلادنا تعيش الآن زمناً يتوافق مع متطلباته وظروفه، فالحياة الآن تختلف عما هي عليه قبل خمسين عاماً.. تنضوي تحت حياة خلاقة تقود إلى الإبداع والى الحياة المدنية النموذجية، ترفع من مستوى التطلعات ومعها المجتمع والتشريع والقانون صارمين تجاه أي دعوة لنعرات سواء كانت قبلية أو دينية، والأهم أن نتعلم من منهم حولنا، ليس لدى العرب فقط، بل في العالم أجمع أيضا، وماذا فعلت العصبيات فيهم حين وجدت من يلهبها ويزيد من تفعيلها.
في رؤيتنا المباركة “2030” جعلنا من الحضارة التي نعيشها طريقاً لتطوير الأفراد بإيمان أن التغيير في المفاهيم والعادات البالية لن يتم إلا من خلال نهضة شمولية تشمل الروح والخيال والجسد والعقل.. تُطور الانتماء للوطن وترفض ما سواه.. ونحمد الله أن الجميع جادون في ذلك انطلاقاً من أن مصلحة الوطن فوق أي مصلحة.. أحسب أن تسارع خطانا نحو التقدم سيكون أكبر، وحتى مؤسساتنا المجتمعية ستتخلص من كثير من المنغصات التي ما فتئت تقود العربة إلى الخلف!
المهم في القول إن في رؤيتنا وما يوجه به قادتنا كل ما يؤدي إلى سلوك وطني جمعي راق بتفعيل الإرادة كطريق إلى نزع كل الانتماءات البالية.. لتحقيق كل موجبات التلاحم والتلاقي التي تنطلق من توجه بنّاء يقود إلى أهداف عالية القيمة في عصرنا المتغير الجاري، وليس كذلك ففي تعزيز الانتماء الحقيقي للوطن سبيل للوقوف أمام المد المتسارع المتنامي الثقافي والفكري والمادي القادم من الخارج، لنكون أكثر قوة أمامه لنواجهه بقدر الفائدة التي سنلقاها منه، لاسيما أننا بتنا بلداً عصرياً قادرا على نشر الفكر والعلم والمساهمة فيه.
نقلاً عن “الرياض“