في مواجهة الانهيار المستمر منذ خريف 2019، يواصل القطاع المصرفي في لبنان اتّخاذ الإجراءات الضرورية للصمود إلى حين إقرار خطة إنقاذ بالتوافق مع صندوق النقد الدولي.
فبعد سلسلة القرارات المُتّخذة بهدف إعادة تنظيم ذاتها عبر تسريح آلاف الموظفين وإقفال عشرات الفروع داخل لبنان، عمدت تلك المصارف “مضطرة” لاتخاذ خطوات تهدف إلى تقليص أنشطتها خارج الحدود بهدف زيادة السيولة للالتزام بقرارات مصرف لبنان المتعلّقة بزيادة رأسمال المصارف (التعميم 154).
ومن ضمن تلك الإجراءات الخارجية، إعلان “بنك ميد” الذي يُصنّف من فئة المصارف الكبرى في لبنان، تصفية فروعه في العراق عبر وضع لافتات على أبوابه جاء فيها “بناء على قرار مجلس إدارة المصرف وموافقة البنك المركزي العراقي تقرر التصفية الطوعية وغلق فروع المصرف في العراق”، داعياً زبائنه “لاستلام مستحقاتهم وتسديد ما بذمتهم وغلق حاساباتهم”.
وفي الإطار، أكدت مصادر “بنك ميد” (بنك البحر المتوسط) لـ”العربية.نت” “أن المصرف اتّخذ قراراً بتصفية فروعه الثلاثة في بغداد، البصرة وأربيل بهدف رفع حجم سيولة المصرف في لبنان”.
وأوضحت “أن المصارف المركزية في الخارج فرضت إجراءات مشددة على فروع المصارف اللبنانية نتيجة للأزمة التي نمرّ بها.
و”بنك ميد” واحد من 12 مصرفاً لبنانياً (كبيرا ومتوسط الحجم) يعملون كفروع في العراق منذ سنوات، إلا أن الأزمة المالية والنقدية الحادة التي تضرب لبنان منذ ثلاثة سنوات دفعت بالمصارف الرئيسية لأن تلغي فروعها في العراق، و”بنك ميد” هو آخر مصرف لبناني يوقف أنشطته في العراق بعد أن سبقته مصارف أخرى.
يأتي خروج آخر المصارف هذا بعدما قررت 9 بنوك لبنانية مغادرة قبرص نهائياً، عقب اتخاذ المصرف المركزي القبرصي قراراً يقضي بتحويل الفروع اللبنانية -إلى المركزي- مبالغ مالية توازي حجم ودائعها، وذلك كإجراء يحمي المودعين من أي تعثّر قد يُصيب المصارف اللبنانية.
وبحسب وكالة الأنباء القبرصية، قررت المصارف اللبنانية إغلاق فروعها في الجزيرة “بقرار صدر الاثنين الماضي عن مصرف لبنان المركزي.
ولم تقتصر عمليات تصفية الفروع على العراق وقبرص، بل سبقتها مصر في مطلع العام 2021، حيث باع “بنك عودة” فرعه هناك بهدف زيادة السيولة للالتزام بقرارات مصرف لبنان المتعلقة بزيادة رأسمال المصارف (التعميم 154) الصادر في مارس/آذار العام الماضي.
تعليقاً على هذا المشهد أوضح الخبير الاقتصادي منير يونس لـ”العربية.نت” “أن المصارف اللبنانية فتحت فروعاً لها في الخارج بهدف جذب الودائع ورؤوس الأموال للبنان، لكن بعد حصول الانهيار المالي وفقدان الثقة بالقطاع المصرفي اللبناني، بدأت تلك المصارف المركزية في الخارج تطبيق إجراءات قاسية على المصارف اللبنانية تماماً كما حصل مع الفروع في قبرص وذلك بهدف إغلاقها”.
ولفت إلى “أن المصارف اللبنانية باتت عبارة عن “مصارف زومبي”، وهي تسمية غالباً ما تطلق على المصارف التي يتدخل البنك المركزي من أجل إبقائها على قيد الحياة.
وتطالب المصارف اللبنانية المصرف المركزي باسترجاع 86 مليار دولار كشهادات إيداع وضعتها لديه مقابل فوائد عالية، وهي تعود لأصحاب الودائع، لكن لم يبق منها سوى 8 مليارات بحسب الخبير الاقتصادي منير يونس.
وأشار إلى “أن صندوق النقد الدولي حذّر بتقاريره منذ سنوات من تبديد الودائع نتيجة سياسات المصرف المركزي، لكن الأخير أصرّ عليها ونفى ما يروّج عن أنه مُفلس، وخطة الإنقاذ التي أقرّتها الحكومة تتضمّن شطب نحو 60 مليار دولار من خسائر مصرف لبنان”.
يذكر أن القطاع المصرفي في لبنان شكّل لسنوات ركيزة رئيسية للاقتصاد. وتمكّن من جذب الودائع ورؤوس الأموال، سواء من المستثمرين العرب أو المغتربين الذي رأوا في مصارف بلدهم ملاذاً آمناً لجنى عمرهم.
ووفق تقديرات رسمية، بلغت قيمة الودائع الإجمالية في ذروتها أكثر من 150 مليار دولار قبل عام من بدء الأزمة عام 2019.