قد كانت المملكة عبر سنينها كلها وما زالت تلك النخلة الباسقة، تغدق بخيراتها على كل من حولها.. لا يمنع خيرها خيانة الأقربين، ولا عداوة الحاسدين، أو وتربص الحاقدين، وتخطيط المخربين..
يجلس – صلى الله عليه وآله وسلم – بين أصحابه الكرام، – رضي الله عنهم -، فيلقي عليهم – صلوات الله وسلامه عليه – سؤالا: أَخْبِرُونِي بشَجَرَةٍ مَثَلُها مَثَلُ المُسْلِمِ، تُؤْتي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بإذْنِ رَبِّها، ولا تَحُتُّ ورَقَها فَوَقَعَ في نَفْسِي أنَّها النَّخْلَةُ، فَكَرِهْتُ أنْ أتَكَلَّمَ، وثَمَّ أبو بَكْرٍ وعُمَرُ، فَلَمَّا لَمْ يَتَكَلَّما، قالَ النبيُّ – صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ -: هي النَّخْلَةُ، فَلَمَّا خَرَجْتُ مع أبِي قُلتُ: يا أبَتاهُ، وقَعَ في نَفْسِي أنَّها النَّخْلَةُ، قالَ: ما مَنَعَكَ أنْ تَقُولَها، لو كُنْتَ قُلْتَها كانَ أحَبَّ إلَيَّ مِن كَذا وكَذا، قالَ: ما مَنَعَنِي إلَّا أنِّي لَمْ أرَكَ ولا أبا بَكْرٍ تَكَلَّمْتُما فَكَرِهْتُ. مخرج في الصحيحين.
إن حبيبنا – صلى الله عليه وآله وسلم – شبه النخلة بالمسلم، أو شبه المسلم بالنخلة، وفيه إشارة إلى أن تشبيه الشيء بالشيء لا يلزم أن يكون نظيره من جميع وجوهه.
وهكذا هي هذه البلاد المباركة، المملكة العربية السعودية، حفظها الله، مأرز الإيمان، ومنطلق الإسلام، عموده، وسرادقه، وهي مائدته التي يقتات منها، وهي حصنه الذي يأوي إليه، وهي مدده الذي يمد أنهاره، ويسقي أشجاره، ويثري ثماره.
هي بلاد النخل، وهي نخلة الإسلام، باسقة الجذع، ثابتة الجذر، يانعة الثمر. وإذ أدرك أعداء الدين عظيم مكانتها، وبالغ تأثيرها في المسلمين، وتعلق قلوب المؤمنين بها، رموها عن قوس واحدة، يريدون النيل منها، وإضعاف سيرها، ومنع تدفق الخير منها، يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم، وقد غاظهم ما تنعم فيه من أمن واستقرار، ووحدة، وتطور، وازدهار.
وليس حديثا ما تعانيه من محاولة العدو التسلط بوجهه وشخصيته أحيانا، ومستترا خلف قناع في أحيان أخرى، أو مستعينا بالجاهلين من أبنائها، لينفذوا أجندته، ويقوموا بما عجز عنه ويئس منه.
فعانت البلاد من ضربات الإرهاب وتفجيراته، ونالها ما نالها من تأثيراته، ففقدت من خيرة رجالها، ومن بعض ممتلكاتها، ولكنهم لم يستطيعوا أن ينالوا من ثباتها، واستقرارها، فرجع الإرهاب بخفي حنين، يجر أذيال الخيبة، وينكس رأسه منكسرًا ذليلاً.
وبقيت المملكة عزيزة قوية متماسكة صلبة، كجبال طويق، وسلسلة السروات، وأجا وسلمى، متنوعة الخيرات كتنوع أرضها، ما بين نفود وجبال ورياض وسهول، وأودية، وكنوز تحت أرضها تزخر بالخيرات، الزراعية والنفطية والمعدنية وغيرها.
ومع اختلاف تضاريسها، واختلاف مدنها وتباعدها، إلا أنها استطاعت أن تبقى موحدة، على منهاج النبوة، عقيدة وشريعة وسلوكا.
فكانت ولله الحمد والمنة، وما زالت وستبقى حاضنة الإسلام، مثالًا للاعتدال والوسطية.
هكذا كانت المملكة سنين عددا، بل عقودا طويلة، ترعى أحوال المسلمين، وتؤوي مشردهم، وتعين مستضعفهم، وتمد يد العون إلى المكروب منهم، تحمل صفات من خير الخليقة ونبراسها – صلى الله عليه وآله وسلم -، حين وصفته زوجه خديجة – رضي الله عنها -: “إنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَصْدُقُ الحَدِيثَ، وتَحْمِلُ الكَلَّ، وتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وتَقْرِي الضَّيْفَ، وتُعِينُ علَى نَوَائِبِ الحَقِّ”.
وقد كانت المملكة عبر سنينها كلها وما زالت تلك النخلة الباسقة، تغدق بخيراتها على كل من حولها.. لا يمنع خيرها خيانة الأقربين، ولا عداوة الحاسدين، أو وتربص الحاقدين، وتخطيط المخربين.
سيبقى – بحول الله وقوته – طلعها نضيدا، هضيما للمستحقين من أهل الحق والعدل والإنصاف، وصديدا “يتجرعه ولا يكاد يسيغه” كل من ملأ الحقد قلبه، وتلوثت بالشر يدُه، وخاضت في الخيانة رجلاه.
وستبقى رايتها خفاقة، يزعج صوت رفيفها آذان المتربصين، ويرعب قلوبهم، ويشرح صدور المحبين، ويشعرهم بالأمان، وستبقى السارية ترفع الخفاق أخضر.. هذا، والله من وراء القصد.
نقلاً عن “الرياض“