من الصعب التنبؤ بالركود، لكن الإجماع يتزايد بين البنوك الكبرى والاقتصاديين البارزين على أن الانكماش قادم في الوقت الذي يكثف فيه الاحتياطي الفيدرالي حربه على التضخم.
يأتي ذلك، فيما يأمل بنك الاحتياطي الفيدرالي في تحقيق أندر المكاسب الاقتصادية مع انتقاله إلى وضع محاربة التضخم الكامل: تهدئة الطلب الاستهلاكي بما يكفي بحيث تتوقف الأسعار عن الارتفاع، دون سحقها كثيراً لدرجة تدفع بالاقتصاد نحو الركود. على الرغم من أن صانعي السياسة في بنك الاحتياطي الفيدرالي يعولون على إيجاد تلك المعادلة الجميلة بعيد المنال – المعروفة باسم الهبوط الناعم – فإن التاريخ يظهر أن البنك المركزي الأميركي غالباً ما يكافح للسير على هذا الخيط الرفيع بين تشديد السياسة والحفاظ على النمو الاقتصادي.
وكان، بنك أوف أميركا، ودويتشه بنك، وويلز فارغو، وغولدمان ساكس، من بين أبرز البنوك التي تتوقع احتمال حدوث ركود خلال العامين المقبلين، حيث يتحرك البنك المركزي الأميركي لتشديد السياسة النقدية بقوة من أجل تهدئة طلب المستهلكين وإعادة التضخم إلى هدفه البالغ 2%.
بينما لا يزال الاقتصاد قوياً إلى حد ما في الوقت الحالي، هناك إشارات متزايدة على أن وول ستريت قد تكون على حق: النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة يتباطأ بالفعل، حيث أفاد مكتب إحصاءات العمل في وقت سابق من هذا الشهر أن الناتج المحلي الإجمالي تقلص بشكل غير متوقع في الربع الأول من العام، الذي يمثل أسوأ أداء منذ ربيع عام 2020، عندما كان الاقتصاد لا يزال عميقاً في خضم الركود الناجم عن كوفيد.
ويتم تعريف حالات الركود من الناحية الفنية من خلال ربعين متتاليين من النمو الاقتصادي السلبي وتكون من سماته بطالة عالية ونمو منخفض أو سلبي للناتج المحلي الإجمالي وانخفاض الدخل وتباطؤ مبيعات التجزئة. لكنها تختلف بشكل كبير في كيفية ظهورها بالفعل، وهو أمر يصعب التنبؤ به بنفس القدر.
وحدد البحث الأخير الذي أجراه نائب رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي السابق وخبير اقتصادي برينستون، آلان بلايندر، 11 دورة تشديد من بنك الاحتياطي الفيدرالي منذ عام 1965، أعقبها 8 حالات ركود. كانت معظم فترات الانكماش معتدلة للغاية؛ فيما كانت هناك 5 حالات انخفض فيها الناتج المحلي الإجمالي بنسبة أقل من 1%، أو لم يكن هناك أي تدهور اقتصادي على الإطلاق.
وكتب بليندر في مقال افتتاحي حديث في صحيفة وول ستريت جورنال بعنوان: “هل نعلق مع الركود؟ ربما”. إذ كتب: “ربما كانت الاحتمالات أعلى من 50% حتى قبل تقرير الناتج المحلي الإجمالي للربع الأول. ولكن من المهم ملاحظة أن أي ركود لا ينبغي أن يكون عميقاً وطويلاً، على عكس ما كان عليه في السبعينيات وأوائل الثمانينيات”.
وتوقع الخبراء الاقتصاديون في دويتشه بنك حدوث ركود يبدأ في أبريل المقبل نتيجة لجهود بنك الاحتياطي الفيدرالي لترويض التضخم. لكن الفريق قال إنه من المحتمل أن يكون “معتدلاً”، ويختلف كثيراً عن تلك التي عانى منها الأميركيون في عامي 2008 و2020. وأضاف الفريق “قد يبدو هذا كأنه عدة سنوات من النمو الهزيل، أو ركود قصير جداً لا ينخفض فيه إجمالي الناتج المحلي كثيراً ويتعافى الاقتصاد بسرعة نسبياً”.
وصوت بنك الاحتياطي الفيدرالي بالفعل لرفع سعر الفائدة قصيرة الأجل بمقدار 50 نقطة أساس في مايو وأشار إلى أن الزيادات ذات الحجم المماثل مطروحة على الطاولة في الاجتماعات القادمة حيث لا يزال التضخم بالقرب من أعلى مستوى في 40 عاماً.
وتميل أسعار الفائدة المرتفعة إلى خلق معدلات أعلى على قروض المستهلكين والشركات، مما يؤدي إلى إبطاء الاقتصاد من خلال إجبار أصحاب العمل على تقليص الإنفاق.
وقد كرر رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول هذا الشعور في المنتديات العامة الأخيرة ووعد بأن الاحتياطي الفيدرالي سيرفع أسعار الفائدة إلى أعلى مستوى حسب الحاجة لتهدئة الأسعار.
كما قال الشهر الماضي خلال بث مباشر عقدته صحيفة وول ستريت جورنال: “ما نحتاج إلى رؤيته هو أن التضخم ينخفض بطريقة واضحة ومقنعة وسنواصل الضغط حتى نرى ذلك”. “إذا كان ذلك ينطوي على تجاوز مستويات مفهومة على نطاق واسع من الحياد، فلن نتردد على الإطلاق في القيام بذلك.”
بطبيعة الحال، فإن بعض الاقتصاديين أكثر تشاؤماً بشأن التوقعات. حيث حذر الرئيس التنفيذي لشركة جي بي مورغان، جيمي ديمون، من “إعصار اقتصادي” يلوح في الأفق هذا الأسبوع، مشيراً إلى مخاوف بشأن ارتفاع أسعار الفائدة والتضخم والحرب في أوكرانيا.