القرود ظلت إحدى العلامات المميزة لجامعة الخرطوم التي تأسست منذ 120 عاما. ولطالما شكلت قفزاتها البهلوانية فوق أغصان أشجارها الوارفة أو تجوالها بحركتها الرشيقة في المكان أو حتى خطفها لسندوتشات الطلبة أو الزوار بطريقة مباغتة ودون سابق إنذار، مدخلا لسرد حكايات لا تنتهي لجميع الذين تعاقبوا على المكان.
تلك القرود صارت تواجه خطر الموت جوعا أو دهسا.. فما القصة؟!
في التفاصيل يقول نصر الدين عبدالقادر، الصحافي وخريج كلية الآداب، جامعة الخرطوم لـ”العربية.نت” و”الحدث.نت”: “تلك القرود أو النسانيس تحولت لجزء من يوميات الطلاب، وتاريخ مجمع الوسط بالجامعة بالتحديد”.
وعن كثرة أعدادها بالجامعة، يذكر نصر الدين أن ثمة رواية متواترة، تشير إلى أن آلافا من تلك القرود لم تجد ملاذا آمنا بعد هدم حديقة الخرطوم للحيوان بشارع النيل إلا مباني مجمع الوسط بجامعة الخرطوم ذي الشجر الظليل.
ويضيف نصر الدين: “في السنوات الأخيرة، صارت القرود تعاني حياة قاسية، في ظل الإغلاق المتكرر للجامعة، حيث كانت تعتمد في غذائها على ما يجود به الطلاب عليها”.
ذلك الجوع يضطر القرود لقطع مسافات طويلة في رحلة البحث عن الطعام. والنتيجة أن بعضها يموت دهسا تحت إطارات المركبات المسرعة حينما تحاول قطع شوارع الأسفلت للتنقل من مكان لآخر. وآخرون تخونهم قواهم فيلفظون أنفاسهم الأخيرة دون أن يقووا على المضي لأي اتجاه بحثا عما يسد الرمق. وزاد الأوضاع سوءا ازدياد عمليات القطع الجائر للأشجار بشارع النيل من قبل السلطات المحلية مؤخرا.
وفي المقابل يقول الدكتور عمار الباقر، أستاذ علم الرفق بالحيوان لـ”العربية.نت” و”الحدث.نت” إن “القرود تصنف من الثديات العليا وتتغذى عادة على الفاكهة”. ويضيف أن تلك القرود من فصيلة “النسناس”، وتعتبر غير مؤذية في الظروف العادية إلا إذا أحست بالخطر.
ويشير الباقر إلى أن أعداد القرود بالفعل تناقصت بفعل العوامل التي أشرنا إليها، لكن زيادة أعدادها أيضا تنطوي على خطورة، لأنها سريعة العدوى خاصة إذا أصيبت بمرض السعر.
أحد قدامى موظفي جامعة الخرطوم قال لـ”العربية.نت” و”الحدث.نت” إن وجود القرود يرتبط تاريخيا بكل المباني الحكومية العتيقة بشارع النيل التي تمتد من غابة السنط غربا حتى جسر المنشية شرقي الخرطوم.
ويؤكد أن هجرات القرود زادت بطريقة لافتة مؤخرا مع قلة حركة الطلاب وتوقف الأنشطة والكافتيريات والمطاعم داخل الجامعة.
ويضيف محدثنا – حسب ملاحظاتي – أن تلك القرود لديها قيادة ولا تتحرك إلا بمجموعات وتتعامل لسلوك أقرب لسلوك البشر، فتجد أنها تأنس إلى المكان وسرعان ما تشيع أجواء من الفكاهة والتسلية إذا قوبلت بالترحاب.
لذا فإنها تخلق صلات قوية بينها وبين الطلاب وكثيرا ما تشاهدها تحتل المقاعد قرب أماكن بيع الطعام والشاي والقهوة، وتلتهم بشراهة السندوتشات والمياه الغذائية التي يقدمها لها الطلاب الذين يقابلونها برأفة ولا يقومون بمطاردتها كما يحدث بالمقرات الحكومية بشارع النيل.
وينهي حديثه قائلا إن القرود بجامعة الخرطوم لديها أرشيف حكايات لا ينضب، ولديها صولات وجولات مع اقتحام مكاتب الأساتذة والعبث بمحتوياته والتهام ما تجده داخل الثلاجات.