عندما أراد أعداء أحمد لطفي السيد، المفكر والفيلسوف المصري الكبير، الإضرار به وإسقاطه في أول انتخابات ديموقراطية في تاريخ مصر، أشاعوا في دائرته، أنه «ديموقراطي»، والديموقراطية تعني السماح للمرأة بالزواج بأكثر من رجل! وعندما كان الناخبون يسألونه إن كان ديموقراطيا، كان يجيب بنعم، فكانوا ينفضون عنه، فسقط في الانتخابات.
وعندما أردنا قبل سنوات مقاطعة فرنسا، بسبب أحد مواقفها السياسية منا، قررنا مقاطعة منتجاتها ومنها سجائر «دي مورييه» De Morrei لاعتقادنا بأنها فرنسية، لأن اسمها يدل على ذلك، ولكنها كانت إنكليزية!
وعندما أراد الشعب الذكي والعبقري نفسه الانتقام من الرسوم المسيئة قام بحرق مبان تعود لمواطنين في عدة عواصم عربية وإسلامية، وإتلاف أطنان من المواد الغذائية الدنماركية، المدفوعة الثمن من أموال الذين أتلفوها نفسهم!
هذه، ومئات غيرها من التصرفات الحمقاء، تدل على غوغائية الشعوب. فكل الدول أو المنتجات التي سبق أن قوطعت عادت لأماكنها على أرفف الجمعيات، مع عودة «أمة حليمة لعادتها القديمة»، والتلذذ بتناول الأجبان والألبان الدنماركية، وبراءة الأموات في عينيها، وفعلوا ذلك وهم على علم بأن المقاطعة اقتصرت على الزبدة والأجبان، ولم تمتد، بفضل النفاق الديني والوطني، لتشمل حقن الأنسولين والأدوية الدنماركية مثلا!
***
تشهد ولاية كرناتاكا الهندية جدلًا حول منع مؤسسات تعليمية ارتداء الفتيات المسلمات الحجاب بداخلها. أثار القرار احتجاجات غاضبة في أنحاء الولاية في ظل الشعور المتزايد بالعداء ضد المسلمين، وتصاعد التطرف الهندوسي ضد كل الأقليات، وبالذات المسلمة، وهذا يعود لأسباب تاريخية، يطول شرحها.
وكالعادة نشط المتطرفون لدينا في ردة فعلهم على تصرف «كرناتاكا»، وهي واحدة من 36 ولاية ووحدة سياسية في الهند، وقرروا مقاطعة الهند بأسرها، وبها ولايات ذات أغلبية إسلامية، وهذا جزء من الغباء السياسي والاقتصادي الذي يتسم به هؤلاء المقاطعون!
تمثلت المقاطعة الساذجة في قيام جمعيات تعاونية، بقرار سخيف تعلق بمنع تشغيل العمالة الهندوسية. وحيث لا يوجد ما يثبت ديانة الهندي مثلا، فهذا يعني أن كل من هو غير مسلم سيطرد، وسيفقد مئات الهنود البوذيين أو السيخ أو حتى المسيحيين، أعمالهم لمجرد أن أسماءهم ليست إسلامية، وهذا ظلم فوق أنه غباء!
كما ان دولة بحجم الهند بعدد سكان يتجاوز المليار بكثير لن تذرف الدموع على عدم توظيف جمعية متخلفة 200 أو 300 من مواطنيها، ولن يحركها قرار غبي.
***
ربما يعتقد البعض أن ما قامت به هذه الجمعيات مبرر، ومن حقها، ولكن ما تعليق هؤلاء على ما قامت الجمعيات التعاونية نفسها من إجبار العاملات لديها على ارتداء الحجاب، بالرغم من انه ضد عقيدتهن؟
لماذا نعترض عندما تجبر دولة ما الفتيات المسلمات على خلع الحجاب، ونصف ذلك بأنه تدخل في الحرية الشخصية! ونلتزم الصمت تماما، عندما تجبر الموظفة أو العاملة، وبالذات غير المسلمة، في الجمعية لدينا على ارتداء الحجاب، بالرغم عنها، ولا نرى في ذلك أي تعد على الحرية الشخصية؟
ملاحظة: ماذا سيكون موقف وزارة الشؤون إن أصدرت جمعية تعاونية بياناً أيدت فيه أوكرانيا، وقامت جمعية أخرى بتأييد روسيا؟
هل من حق الجمعيات التدخل في السياسة؟
* نقلا عن “القبس“