يستوجب التوقف مجددًا أمام رفض الدكتور الطيب أحمد الطيب، شيخ الأزهر، تكفير تنظيم «داعش» ناطقًا باسم المؤسسة الأزهرية، مشددًا: «لكى تكفر شخصًا يجب أن يخرج من الإيمان ويُنكر الإيمان بالملائكة وكتب الله من التوراة والإنجيل والقرآن، ويقولون: لا يخرجكم من الإيمان إلا إنكار ما أدخلت به».
وتساءل فضيلته: «ما حكم شخص يؤمن بتلك الأمور ويرتكب إحدى الكبائر، هل يصبح كافرًا؟»، وهناك مذاهب أخرى تقول إن مرتكب الكبيرة لا يخرج من الإيمان، بل هو مؤمن عاصٍ، فلو أنه مات وهو مصرٌّ على كبيرته لا تستطيع أن تحكم عليه أنه من أهل النار، فأمره مفوض لربه.
فى مواجهة داعش أخطر جماعة على الإسلام منذ فجر الدعوة المحمدية، وأبشعها، وأعنفها، ومجازرها البشرية يتحدث بها الركبان، من قطع الرقاب، وحرق للأسرى أحياء، وسبى للنساء، وترويع الآمنين، واستباحة المحرمات، يقول الإمام الطيب، فى مواجهة تنظيم دموى استباح المقدسات والحرمات: «فأمره مفوض لربه»!.
وبعيدًا تمامًا عن سماحة الأزهر، وبيانه، ومنطوق شيخه الحكيم، خرج علينا مكفراتية السلفية، وطائفة من «المحتسبين الجدد»، وفى مواجهة عبد فقير إلى الله، لا يملك سلطانًا، سوى منحة العقل من الله، ويتدبر، ويتفكر، كما يتدبر أولو الألباب، ويتقفى القاعدة الأصولية المستقرة عن الإمام الشافعى رحمه الله: «رأيى صَوابٌ يَحتَمِلُ الخَطأ، ورأى غَيرى خَطأ يَحتَمِلُ الصَّوابَ»، باحثًا عن جواب لأسئلة عقلية فى مسائل (ظنها) ظنية.
أقول فى مواجهة «إبراهيم عيسى» يكفرون ويفسقون على أقل تقدير، ويطالبون بالمحاكمات فى الأخير.
ما نراه عينًا جهارًا نهارًا، أقرب إلى «محاكمات التفتيش» فى العصور الوسطى، يفتشون فى النوايا، «أَفَلا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ…»، إنهم ينبشون فى الحرف والكلمة والجملة، والسؤال والجواب، تخيل لم يكفروا داعش، ويكفرون إبراهيم عيسى، وهل عيسى أخطر على الدين من الدواعش، أتخافون كلمة عابرة فى سياق ملتبس، ولا تخشون سلاحًا فتاكًا يحمله مرتزقة داعش على الأكتاف؟!.
تحدثت سابقًا عن «جيوش الظلام» التى خرجت من جحورها على صدى ما فاه به عيسى تفكيرًا (وإن أخطأ) فى المس بـ«الثابت» حسبه «متغيرًا»، وتحت ستار الدفاع عن الرسول الأعظم، صلى الله عليه وسلم، وما كان لهذه الجحافل التى تُكور قبضاتها فى وجوهنا، حتى كبيرهم خرج من كمونه صارخًا فى الفضاء الإلكترونى يستنفر عواطف الطيبين ضد إبراهيم!.
واليوم يُرهبون المفكرين، ويلعنون العلمانيين، وتفتح نار جهنم مأوى المتسائلين، إرهاب باسم الدين، واستغلال ممنهج لعواطف الطيبين الدينية تحريضًا!.
قبل أن تكفروا وتفسقوا، ذاكروا على الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، راجعوا على مفتى الديار الدكتور شوقى علام، خذوا الحكمة من العلامة الدكتور على جمعة، وثلاثتهم من الثقات المقدرين.
ما أخشاه على العقل المصرى الذى كان قد بدأ يتحرر من ربقة رجال الدين، ويجادلهم، ويناقشهم، ولا يرضخ لسلطانهم، ويعتبرهم من العاديين، ويُؤخذ منهم ويُرد، أن يخشى منهم أو يخاف، أخشى ردة مجتمعية إلى قرون مضت، سنكتوى بنارهم التى أشعلوها فى ثيابنا، ولن تكون بردًا وسلامًا على إبراهيم، أتُكفّرون رجلًا قال ربى الله، وتغضون البصر مخافة داعش؟!.
* نقلا عن ” المصري اليوم “