لا ننسى أن رؤية المملكة “2030” مُصمَّمة للارتقاء بالدولة في جميع المستويات، وقطاع الخدمات في طليعة الجهات التي تقوم بهذا الدور، وما من يوم إلا ونحن مُتطلعون إلى أن يكون أداؤها فيه أفضل من سابقه..

المقرر شرعاً ونظاماً أن يكون تبادل المنافع بين الجهات المقدمة للخدمات وبين المستفيدين منها مبنية على الإيفاء والاستيفاء بكل شفافيةٍ وإنصافٍ، وأن يكون التعامل محكوماً بقواعد النظام من دون ارتجالٍ ومن دون تحكيم رغبات أحد واجتهاداته، وتنفيذ الخدمة على هذا الوجه اللائق ليس من قبيل الإحسان إلى الناس والتبرع بالمعروف، بل هو حقٌّ واجبٌ وهو مقتضى العقد، والإيفاء بالعقد واجبٌ مأمورٌ به في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)، كما أن نظام الدولة يمنع التلاعب بحقوق الناس بأيِّ شكلٍ من الأشكال، ويوجب إيصالها إلى ذويها على أتمِّ وجهٍ وأكمله، ومن أخلَّ بشيء من ذلك فقد خالف النظام العام، وفي مخالفته مخالفة للشرع وعبث بالمصالح، ولي رسائل أتمنى أن يتأملها كل مسؤول في هذه الجهات وأن يستفيد منها كل موظف من موظفيها أيّاً كانت وظيفته.

الأولى: أن التزام الموظف بنظام المؤسسة التي يعمل فيها واجبٌ من واجباته، لكن هذا الواجب لا يُخوله حق التملص من واجبٍ آخر وهو حسن التعامل مع الناس ومخاطبتهم بلطفٍ ولينٍ، فكن على علم يا أخي الموظف بأن قيامك بواجبك الوظيفي، وتطبيقك للنظام لا يتعارض مع المعاملة الحسنة، وتهذيب العبارة، فهذه الأخلاقيات جزء لا يتجزأ من المسؤولية الشرعية والنظامية، ويمكنك أن تطبق مسؤوليتك كاملة من غير أن تُقطِّب وجهك في وجه أحد، ومن غير أن تواجهه بأسلوب فجٍّ، وكن على يقين من أن الظهور بمظهر المتجهم العبوس الذي يُلجئ الناس إلى الرضوخ له بواسطة شيء من الجفاء وإن طبقت به جزئية محسوسة من النظام كضبط حركة الناس ومنع ما يفرض النظام منعه إلا أنك خالفت به جزئية أخرى من النظام، وهي الالتزام باللباقة والأدب ورعاية مشاعر الناس واحترامهم، وهذه الجزئية الأخلاقية التي فوَّتَها لا تقل أهمية عن التي حرصت على حفظها، وكل ما في الأمر أن تلك مادية وهذه معنوية، وكثيرٌ من الناس لا يُدركُ أن المعنويات لا تقلُّ عن الماديات أهمية.

الثانية: الجهة التي تقدم الخدمات وتعلن عبر مواقعها سياسة هذه الخدمات وشروطها وضوابطها عليها أن تلتزم بتلك السياسة؛ فالناس يُعوِّلون على المرسوم في هذه المواقع، ويبنون تعاملهم مع تلك الجهة على هذا الأساس، ويُكيِّفون جداول أعمالهم وارتباطاتهم على وفقها، وتترتب مفاسد كثيرة على عدم دقَّة الموجود في الموقع أو المعلن من خلال الحساب الرسمي للجهة، وكذلك تترتب المفاسد على إقدام موظف المؤسسة بتغيير هذه السياسة من عند نفسه بقرارٍ عارضٍ دون إشعارٍ مُسبق، فإن هذا التصرف ينتج عنه عدم الثقة بهذه الجهة وبسياساتها المعلنة، كما أنه يُلحقُ العَنَت بمن تعرَّض له؛ لما فيه من التعسف والارتجال، ولا تتوقف سلبياته على ذلك، ومن تلك السلبيات أن الموظف الذي وظيفته مجرد تنفيذ الأوامر إذا أجرى سياسة المؤسسة على مزاجه فقد قَلَبَ الأمور رأساً على عقب، وتقمَّص رداء القادة، ومن تقمَّص رداء أكبر من مقاسه فيُوشكُ أن يُهدر المصالح، ويُفاقم المفاسد، وأسوأ ما يمكن أن يجتهد فيه الموظف ازدواجية معيار تعامله مع الناس، فيجب التأكيد على الجميع التعامل مع الجميع بسواسية، فالنظام إنما وُضِع ليكفل لكُلِّ ذي حقٍّ حقه، أما التصرفات الفردية، والتجاوزات المزاجية من بعض الموظفين فهي بمثابةِ سوسةٍ تنخر في مكانة النظام في نفوس الناس، وتزرع الجرأة على الاستهانة بالنظام لاحقاً.

الثالثة: حسنُ التعامل مع متلقي الخدمات معيارٌ حضاريٌّ يُقاسُ به تقدم الدول ومثالية العيش فيها، وبحمد الله تعالى قطعت فيه دولتنا المباركة شوطاً محموداً تُغبطُ عليه، لا سيما أنها من أكثر الدول استقبالاً للزوار بحكم احتضانها للحرمين، ولا تخفى براعة الجهات الرسمية المعنية بتلك الجموع في حسن التعامل معها وسعة الصدور في ذلك مع تطبيقٍ سلسٍ للنظام، وسائر الجهات الخدمية فيها تحذو هذا المنهج ولا أحد من الـمُنصفين يُشكِّك في هذا، وإنما مغزى الحديث عن الموضوع وضع اليد على بعض الهفوات التي تقع من بعضها، والنتيجة المرجوة من خلال ذلك تنبيهها على الإشكال لترتفع كفاءتها ولتتفادى أمثال ذلك في المستقبل؛ ولا ننسى أن رؤية المملكة 2030 مُصمَّمة للارتقاء بالدولة في جميع المستويات، وقطاع الخدمات في طليعة الجهات التي تقوم بهذا الدور، وما من يوم إلا ونحن مُتطلعون إلى أن يكون أداؤها فيه أفضل من أدائها في الذي قبله، والغالب أن الواقع كذلك بحمد الله تعالى، ونأمل أن تغيب السلبيات والتصرفات غير الحضارية بشكل شبهِ نهائي، ونعي أن البشر مهما اجتهدوا فلن تخلو أعمالهم من بعض القصور، ولسنا ممن يُركِّزُ على القصور ويتجاهل الإنجاز.

نقلا عن “الرياض“