لم يصدق اللبنانيون أن “متنفذاً” سيوضع لمرة خلف القضبان، بعد أن فقد العديد منهم الأمل في محاسبة المسؤولين عن أسوأ أزمة يعيشها البلد في تاريخه الحديث.
فوسط أزمة اقتصادية خانقة، تفجر قرار قضائي يقضي بتوقيف شقيق حاكم مصرف لبنان المركزي، رياض سلامة، لقضايا تتعلق بالفساد، ما أثار ضجة على مواقع التواصل الاجتماعي، وأشعل جدلاً واسعاً.
وبين مؤيد ومنتقد، انقسم اللبنانيون بآرائهم.
ففي حين اعتبر بعضهم القرار القضائي “خطوة إيجابية”، متمنين مواصلة تضييق الخناق على المتهمين بالفساد، رأى آخرون أن القرار يأتي في إطار “موسم الانتخابات”، في إشارة إلى الانتخابات النيابية المزمع إجراؤها في مايو المقبل.
كما انتقد البعض القرار أيضاً مستغربين بسخرية كيف يمكن للقضاء أن يوقف رجا سلامة، غير أنه لا يستطيع توقيف أي من المتورطين في انفجار مرفأ بيروت الذي وقع في 4 أغسطس 2020.
أتى ذلك بعد أن أمرت القاضية غادة عون بالقبض على رجا سلامة، الخميس، بعد استجوابه في قصر العدل في بعبدا بشرق بيروت، مما يصعد الضغوط على الحاكم الذي يواجه عدة تحقيقات فساد.
وأفاد مصدر قضائي آخر بأن غادة عون اتهمت رجا “بالتواطؤ بجرم الإثراء غير المشروع”، وهو الجرم الذي تورط فيه أيضاً شقيقه حاكم مصرف لبنان. وأكد أن رجا سلامة (61 عاماً) احتُجز في محكمة بعبدا ولا يزال رهن الاحتجاز.
من جهته قال المحامي نزار صاغية من منظمة المفكرة القانونية، وهي منظمة غير حكومية، إن تهمة الإثراء غير المشروع الموجهة لرجا سلامة، الخاصة بالجرائم التي تشمل موظفي القطاع العام، تعني أن رياض سلامة من المحتمل أن يكون متهماً بارتكاب جريمة”.
وأضاف صاغية: “التهمة أن رجا تصرف مع شقيقه لأخذ أموال عامة ومن ثم يستحيل فصل رياض عن ذلك”.
كما أوضح أنه “من الناحية الرمزية، فإن الاعتقال مهم للغاية لأنه يظهر أنه يتم ملاحقة أشخاص كبار وسجنهم وأن نظام الإفلات من العقاب في البلاد ليس قوياً مثلما كان من قبل”، لافتاً إلى أنه يتوقع “رد فعل قاسياً”.
يشار إلى أنه لم توجه تهمة إلى رياض سلامة بارتكاب جريمة. غير أن حاكم المصرف المركزي يواجه تحقيقات أخرى في لبنان والعديد من الدول الأوروبية، منها سويسرا، بسبب مزاعم غسل أموال واختلاس مئات الملايين من الدولارات من البنك المركزي، وهي تحقيقات يخضع لها أيضاً شقيقه الأصغر رجا.
وفي حين حاولت القاضية غادة عون مراراً إحضار رياض سلامة لاستجوابه بشأن مزاعم سوء الإدارة في البنك المركزي والتي تشمل اتهامات بالاحتيال، إلا أنه لم يلب دعوى الإحضار ولم يخضع للاستجواب وطلب تنحية القاضية عن القضية بدعوى التحيز. ووصف سلامة الاتهامات الموجهة إليه بأنها ذات دوافع سياسية.
وفي يناير الماضي، أصدرت القاضية قراراً بمنع رياض سلامة (71 عاماً) من السفر.
يذكر أن رياض سلامة حاكم لمصرف لبنان منذ قرابة ثلاثة عقود واستمر في شغل المنصب حتى مع تداعي الاقتصاد تحت وطأة جبل من الديون وانهيار العملة وسقوط قطاعات واسعة من المجتمع في براثن الفقر منذ عام 2019.
ولا يزال سلامة يحظى بدعم بعض المسؤولين في البلاد، الذين يرون أنه يجب أن يظل في منصبه بالوقت الحالي.