سلطت الأزمة مع موسكو، ثم الحرب معها، الأضواء على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الذي كان ينظر إليه لفترة طويلة على أنه ممثل سابقا أصبح رئيسا بالصدفة، وأبرزتا هدوءه بشكل خاص.
وفي وقت تشن روسيا حربها على بلده، سيقال على الأرجح إن زيلينسكي كان على حقّ منذ البداية في كلامه عن النوايا الروسية.
وصباح الخميس، دعا في رسالة مصوّرة على “فيسبوك” مواطنيه إلى عدم الذعر، وقرّر فرض الأحكام العرفية، في حين كانت روسيا تنفّذ ضربات ضد البنية التحتية العسكرية وحرس الحدود الأوكراني.
النجم التلفزيوني السابق البالغ من العمر 44 عاما حديث على عالم السياسة. تم انتخابه رئيسا لأوكرانيا في عام 2019، لكن التردد لم يظهر عليه أبدًا في الأشهر الأخيرة، حتى مع تحذير واشنطن بشكل متزايد من أن حربًا “وشيكة” يمكن أن تندلع دون سابق إنذار.
وقال في يناير في خطاب وجهه إلى مواطنيه البالغ عددهم 40 مليونا “ماذا يتوجّب علينا أن نفعل؟ شيء واحد فقط: أن نبقى هادئين”. وأضاف “سنحتفل بعيد الفصح في أبريل، ثم في مايو كالمعتاد، سنستمتع بالشمس والعطل وحفلات الشواء”.
ثم أعلن يوم 16 فبراير، اليوم الذي حدده بعض المسؤولين الأميركيين كبداية محتملة للغزو الروسي، عطلة وطنية باسم “يوم الوحدة” يخرج خلاله المواطنون بالأعلام والبالونات.
بدأت مغامرة فولوديمير زيلينسكي السياسية بما يشبه المزحة مساء 31 ديسمبر 2018 مع الإعلان المتلفز عن ترشحه للانتخابات الرئاسية.
كانت أوكرانيا في مواجهة مع روسيا منذ عام 2014، وتشهد حربا في شرق البلاد الانفصالي.
“خادم الشعب” مسلسل عرض في أوكرانيا للمرة الأولى عام 2015، ولعب فيه زيلينسكي، الذي كان ممثلا كوميديا آنذاك، دور رجل عادي وصل إلى سدة الرئاسة. وكان أدى دور مدرّس تاريخ سليط اللسان يصبح رئيسا بعدما صوّره أحد تلاميذه وهو يتكلّم بحماسة ضد الفساد ونشر المقطع على الإنترنت. وحقّق العرض الكوميدي نجاحا كبيرا فيما كانت البلاد تشهد تغييرا عميقا. ومنذ ذلك الوقت، اكتسب زيلينسكي شعبية متزايدة.
وأطاحت ثورة أوكرانية مؤيدة للاتحاد الأوروبي عام 2014 بالزعيم المدعوم من الكرملين فيكتور يانوكوفيتش، وأتت بفريق سياسي جديد كان عليه أن يواجه صراعا خطيرا في شرق البلاد واقتصادا يتجه نحو الانهيار.
وفاز زيلينسكي في الانتخابات الرئاسية على المرشح بيترو بوروشنكو في الجولة الثانية بأكثر من 70 في المئة من الأصوات. لكن بعض الأوكرانيين استعدوا للأسوأ. فقد شبّهه ناقدوه بسياسيين مشاهير على غرار الإيطالي سيلفيو برلسكوني والرئيس الأميركي دونالد ترمب.
كذلك، لم يساهم قراره المبكر بضم أعضاء شركته للإنتاج “كفارتال 95” إلى فريقه الرئاسي، في بناء ثقة الجمهور.
وبدا ظهور زيلينسكي الأولي في وسائل الإعلام مع قادة العالم الآخرين مصطنعا. وقال المحلل السياسي الأوكراني ميكولا دافيديوك “أعتقد أن شركاءنا الدوليين يواجهون صعوبة في التعامل معه. إنه ليس بمستواهم”. وأوضح “أنهم يتحركون على مستوى عالٍ جدا لا يستطيع الوصول إليه، ولا يستطيع أن يفهمه”. لكن بعض الدبلوماسيين الغربيين مأخوذون بسحره.
وقال أحدهم لفرانس برس “بصراحة، أداؤه السياسي ليس سيّئا جدا. إنه يظهر رباطة جأش. لديه وظيفة مستحيلة. إنه عالق بين ضغوط الروس والأميركيين”.
وتشكل المواجهة الحالية مع موسكو التي تضع أوكرانيا في قلب أخطر أزمة روسية غربية منذ نهاية الحرب الباردة، نقطة تحول في رئاسة زيلينسكي.
في العام 2019، وصل إلى الرئاسة الأوكرانية متعهدا بفتح قنوات اتصال مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لوضع حد للصراع الدامي في شرق البلاد، الذي أودى حتى الآن بأكثر من 14 ألف شخص.
وعقد الزعيمان قمة في باريس بعد أشهر قليلة من انتخاب زيلينسكي وأشاد بها بوتين ووصفها بأنها “خطوة مهمة”. لكن زيلينسكي كان له رأي مختلف، إذ صرّح “قال نظرائي إنها نتيجة جيدة جدا لاجتماع أول. لكنني سأكون صادقا، إنها نتيجة متدنية جدا”.
ومنذ ذلك الحين، تشهد العلاقات بين الرئيسين تدهورا مستمرا. واتّهم بوتين حكومة زيلينسكي “بالتمييز” ضد الناطقين بالروسية والتخلي عن الوعود السابقة لتسوية الصراع في الشرق.
أما “الحلم”، وهي الكلمة التي أطلقها زيلينسكي في 14 شباط/فبراير حول الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي في يوم من الأيام، فيبدو أنه بعيد المنال.