أجرى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اتصالا هاتفيا بنظيره الروسي فلاديمير بوتن طالبه خلاله بوقف فوري للعمليات العسكرية الروسية على أوكرانيا، ومذكرا بأن روسيا تعرض نفسها لعقوبات واسعة النطاق.
وقال الكرملين إن بوتن تحدث هاتفيا مع ماكرون وقدم له شرحا وافيا لأسباب التحركات الروسية في أوكرانيا.
وأضاف الكرملين أن الاتصال جاء بمبادرة من ماكرون وأن الزعيمين اتفقا على استمرار التواصل بينهما.
واشتبكت القوات الأوكرانية مع القوات الغازية الروسية على ثلاث جهات، الخميس، بعد أن شنت موسكو هجوما من البر والبحر والجو في أكبر هجوم على دولة أوروبية منذ الحرب العالمية الثانية، مما دفع عشرات الآلاف من الأوكرانيين على الفرار من منازلهم.
وبعد إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الحرب في خطاب تلفزيوني فجر الخميس، سمع دوي انفجارات وإطلاق نار طوال الصباح في مدينة كييف التي يقطنها ثلاثة ملايين نسمة.
وقال الرئيس الأميركي جو بايدن للصحفيين في البيت الأبيض في سياق الكشف عن عقوبات صارمة جديدة بالتنسيق مع حلفاء واشنطن “هذا هجوم مع سبق الإصرار…بوتين هو المعتدي. بوتين اختار هذه الحرب. والآن سيتحمل هو وبلاده العواقب”.
وبحلول الليل، تدفقت التقارير عن وقوع قتال شرس على عدة جبهات.
وقال مستشار بالمكتب الرئاسي الأوكراني إن القوات الروسية استولت على محطة تشرنوبيل القديمة للطاقة النووية والواقعة على بعد 90 كيلومترا إلى الشمال من العاصمة ومطار هوستوميل في منطقة كييف حيث هبطت قوات بالمظلات في وقت سابق.
كما جرى تبادل مكثف لإطلاق النار في إقليمي سومي وخاركيف في الشمال الشرقي وكذلك خيرسون وأوديسا، التي تضم مدينة مكتظة بالسكان وأيضا أهم ميناء أوكراني، في الجنوب.
وتكدس الطريق السريع المتجه غربا من كييف بالسيارات بعرض حاراته الخمس مع اضطرار السكان إلى الفرار خوفا من القصف.
وقالت وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إن ما يقدر بنحو 100 ألف أوكراني فروا من منازلهم وإن عدة آلاف عبروا إلى دول مجاورة، وخاصة إلى رومانيا ومولدوفا.
وبدأ اليوم الأول من الهجوم بصواريخ تنهمر على أهداف أوكرانية وأبلغت السلطات الأوكرانية عن تدفق مجموعات من القوات عبر حدودها من روسيا وروسيا البيضاء من الشمال والشرق وإنزال عن طريق البحر من البحر الأسود وبحر آزوف على السواحل الجنوبية.
ووضع هذا الهجوم حدا لمساع دبلوماسية استمرت أسابيع دون أن تسفر عن أي نتيجة قام بها قادة غربيون لتجنب الحرب.
ودعا الرئيس فولوديمير زيلينسكي الأوكرانيين للدفاع عن بلادهم وقال إنه سيتم تسليم السلاح لأي شخص مستعد للقتال.
وقال زيلينسكي “ما سمعناه اليوم ليس مجرد صوت انفجار صواريخ وقتال وهدير الطائرات. ما سمعناه كان صوت سقوط ستار حديدي جديد، أبقى روسيا بعيدة عن العالم المتحضر”.
وقال بوتين في خطابه إنه أمر “بعملية عسكرية خاصة” لحماية الناس، بمن فيهم مواطنون روس تعرضوا “لإبادة جماعية” في أوكرانيا، وهو اتهام يصفه الغرب منذ مدة طويلة بأنه دعاية سخيفة لا أساس لها من الصحة.
وأضاف “من أجل ذلك سنكافح لنزع السلاح والقضاء على التعصب القومي في أوكرانيا”.
وبعد أن كان أشار في وقت سابق في خطابه إلى الترسانة النووية الروسية الضخمة، حذر أيضا “كل من يحاول عرقلتنا…يجب أن يعلم أن رد روسيا سيكون فوريا، وسوف يؤدي إلى تبعات لم تواجهها من قبل في تاريخك”.
وفي وقت لاحق، قال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان إن بوتين يحتاج أن يفهم أن حلف شمال الأطلسي هو تحالف نووي أيضا.
واستبعد بايدن إرسال قوات أميركية للدفاع عن أوكرانيا، لكن واشنطن عززت دفاعات حلفائها في حلف شمال الأطلسي في المنطقة بقوات وطائرات إضافية.
وبعد التشاور مع نظرائه في مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، أعلن بايدن عن تدابير لتقويض قدرة روسيا على القيام بأعمال
تجارية بالعملات الرئيسية في العالم، إلى جانب عقوبات ضد البنوك والشركات المملوكة للدولة.
واستهدفت بريطانيا أيضا البنوك الروسية، بالإضافة إلى بعض من أعضاء الدائرة المقربة لبوتين وفاحشي الثراء من الروس الذين
يتمتعون بأسلوب حياة البذخ في لندن.
وقال زعماء الاتحاد الأوروبي إن الإجراءات ستشمل تجميد الأصول الروسية في التكتل الذي يضم 27 دولة وتعليق نفاذ البنوك إلى
الأسواق المالية الأوروبية، واستهداف “مصالح الكرملين”.
كما انضمت كندا وسويسرا إلى قائمة الدول التي أعلنت عن إجراءات جديدة ضد روسيا. ومع ذلك، ظلت الصين بمنأى عن هذه التحركات، رافضة وصف تصرفات روسيا بأنها “غزو”.
وروسيا واحدة من أكبر منتجي الطاقة في العالم فيما تعتبر هي وأوكرانيا من بين أكبر مصدري الحبوب. وستتسبب الحرب والعقوبات في صعوبات للاقتصادات في جميع أنحاء العالم والتي تواجه بالفعل أزمة في تأمين الإمدادات مع تعافيها من تبعات جائحة فيروس كورونا.
وقفز سعر خام برنت في وقت سابق متجاوزا 100 دولار للبرميل للمرة الأولى منذ 2014.
على الرغم من أن هجوما شاملا يجري حاليا، فإن الهدف النهائي لبوتين لا يزال غامضا. فقد قال إنه لا يعتزم القيام باحتلال عسكري
لكنه يهدف فقط لنزع سلاح أوكرانيا وتطهيرها من القوميين.
والضم المباشر الصريح لمثل تلك المساحة الشاسعة من دولة معادية ربما يتخطى قدرات الجيش الروسي.
وقال مسؤول دفاعي أمريكي كبير الخميس إن الولايات المتحدة ترى أن الهجوم الروسي علة أوكرانيا يهدف إلى قطع رأس الحكومة الأوكرانية، وإن أحد محاور الهجوم الرئيسية الثلاثة يتركز على العاصمة كييف.
وقال المسؤول الدفاعي إن القوات الروسية تحرز تقدما صوب العاصمة الأوكرانية في حين تواصل موسكو دفع تعزيزات عسكرية إلى داخل أوكرانيا.
وقال الجيش الأوكراني إن القوات الروسية تهدف إلى إغلاق كييف مع عمل ممر بري على الساحل الجنوبي باتجاه شبه جزيرة القرم ومنطقة ترانسدنيستريا في مولدوفا.
لكن إن كان الهدف فقط هو الإطاحة بحكومة زيلينسكي، فمن الصعب توقع قبول الأوكرانيين بأي قيادة تحاول روسيا فرضها.
وأوكرانيا بلد ديمقراطي يبلغ عدد سكانه 44 مليون نسمة وهي أكبر دولة في أوروبا من حيث المساحة بعد روسيا نفسها. وصوتت بأغلبية ساحقة لصالح الاستقلال عن موسكو بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، وتقول إنها تسعى للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي وهي تطلعات أثارت حنق روسيا.
ونفى بوتين لأشهر التخطيط لهجوم على أوكرانيا لكنه وصفها بأنها استقطاع مصطنع من روسيا بيد أعدائها وهو وصف يرى الأوكرانيون أنه محاولة لمحو تاريخ بلادهم الذي يفوق الألف عام.
وعلى الرغم من أن الكثير من الأوكرانيين خاصة في الشرق يتحدثون الروسية كلغة أم، إلا أنهم نظريا يعتبرونها قومية مختلفة ويعتبرون أنفسهم أوكرانيون.
وقالت سفيرة أوكرانيا لدى الولايات المتحدة أوكسانا ماركاروفا إن القوات الأوكرانية أسقطت طائرتي هليكوبتر روسيتين وسبع طائرات روسية أخرى ودمرت عدة شاحنات روسية، كما استسلمت فصيلة من لواء روسي.
وأشارت ماركاروفا إلى أرقام سابقة تفيد بأن الهجمات الروسية أودت بحياة 40 جنديا أوكرانيا وعشرات المدنيين.
ونقلت وكالة إنترفاكس للأنباء عن وزارة الدفاع الروسية قولها إنها دمرت 83 هدفا بريا أوكرانيا وحققت كل أهدافها.
وفي كييف، انتظر الناس في صفوف لسحب الأموال وشراء إمدادات الطعام والمياه. وكانت حركة المرور كثيفة غرب المدينة باتجاه
الحدود البولندية وامتدت صفوف من السيارات لعشرات الكيلومترات.
وتستعد الدول الغربية لاحتمال فرار مئات الآلاف من الأوكرانيين من هجوم.